الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وتقدمت في أول سورة الفاتحة، ومن ذلك طواف القادمين إلى مكة بالكعبة تشبها بالوافدين على المملوك، فلذلك قُدّم الطواف على جميع المناسك وختمت بالطواف أيضًا، فلعل كلمة طائف تستعمل في معنى الملم الخفي قال الأعشى: وقال تعالى: {فطاف عليها طائفٌ من ربك وهم نائمون} [القلم: 19].وقراءة الجمهور: {طائف}، بألف بعد الطاء وهمزة بعد الألف، وقراءة ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب: {طيْف} بدون ألف بعد الطاء وبياء تحتية ساكنة بعد الطاء، والطيْف خيال يراك في النوم وهو شائع الذكر في الشعر.وفي كلمة {إذا} من قوله: {إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا} مع التعبير بفعل {مَسهم} الدال على إصابة غير مكينة، إشارة إلى أن الفزع إلى الله من الشيطان، عند ابتداء إلمام الخواطر الشيطانية بالنفس، لأن تلك الخواطر إذا أمهلت لم تلبث أن تصير عزمًا ثم عملًا.والتعريف في {الشيطان} يجوز أن يكون تعريف الجنس: أي من الشياطين ويجوز أن يكون تعريف العهد والمراد به إبليس باعتبار أن ما يوسوس به جنده وأتباعُه، هو صادر عن أمره وسلطانه.والتذكر استحضار المعلوم السابق، والمراد: تذكروا أوامر الله ووصاياه، كقوله: {ذَكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} [آل عمران: 135] ويشمل التذكر تذكر الاستعاذة لمن أمر بها من الأمم الماضية، إن كانت مشروعة لهم، ومن هذه الأمة، فالاقتداءُ بالذين اتقوا يعم سائر أحوال التذكر للمأمورات.والفاء لتفريع الإبصار على التذكر.وأكد معنى فاء التعقيب بـ {إذا} الفجائية الدالة على حصول مضمون جملتها دَفعة بدون تريث، أي تذكروا تذكر ذويَ عزم فلم تتريث نفوسهم أن تَبين لها الحقُ الوازع عن العمل بالخواطر الشيطانية فابتعدت عنها، وتمسكت بالحق، وعملت بما تذكرت، فإذا هم ثابتون على هداهم وتقواهم.وقد استعير الإبصار للاهتداء كما يستعار ضده العمى للضلال، أي: فإذا هم مهتدون ناجون من تضليل الشيطان، لأن الشيطان أراد إضلالهم فسلموا من ذلك ووصفُهم باسم الفاعل دون الفعل للدلالة على أن الإبصار ثابت لهم من قبلُ، وليس شيئًا متجددًا، ولذلك أخبر عنهم بالجملة الاسمية الدالة على الدوام والثبات. اهـ.
والثاني: أنَّهُ مُخففٌ من فَيْعِل والأصل: طَيِّف بتشديد الياءِ فحذف عين الكلمة، كقولهم في: مَيِّت مَيْت، وفي: لَيِّن لَيْن، وفي: هَيِّن هَيْن.ثم {طَيِّف} الذي هو الأصل يَحْتَمِل أن يكون من: طافَ يطيف، أو من: طَافَ يَطُوفُ والأصل: طَيْوِف فقلب وأدغم.وهذا قول ابن الأنباري ويشهد لقول ابن الأنباري قراءةُ سعيد بن جبير {طيف} بتشديد الياء.والثالث: أنَّ أصله طَوْف من طاف يَطُوفُ، فقلبت الواو ياءً.قال أبُو البقاءِ قلبت الواو ياءً وإن كانت ساكنة كما قلبت في أيْد وهو بعيدٌ.قال شهابُ الدينِ: وقد قالُوا أيضًا في: حَوْل حَيْل، ولكن هذا من الشُّذُوذِ بحيث لا يقاس عليه.وقوله: وإن كانت ساكنة ليس هذا مقتضيًا لمنع قلبها ياء، بل كان ينبغي أن يقال: وإن كان ما قبلها غير مكسورٍ.وأمَّا طائفٌ فاسمُ فاعل يحتمل أن يكون من: طاف يطُوف، فيكون كـ: قائم وقائلٍ.وأن يكون من: طاف يطيفُ، فيكون كـ: بَائعٍ ومائل وزعم بعضهم أنَّ: طَيْفًا وطَائِفًا بمعنى واحد ويُعْزَى للفرَّاءِ، فيحتمل أن يَرُدَّ طائفًا لـ: طَيْف فيجعلهما مصدرين، وقد جاء فاعل مصدرًا، كقولهم: أقائمًا وقد قعد النَّاسُ، وأن يَرُدَّ طَيْفًا لـ: طائف أي: فيجعله وصْفًا على فَعْل.وقال الفارسي: الطَّيْف كالخَطْرة، والطَّائف كالخَاطر ففرَّق بينهما، وقال الكسائيُّ الطَّيف: اللَّمَم، والطَّائف: ما طاف حول الإنسان.قال ابنُ عطيَّة: وكيف هذا؛ وقد قال الأعشى: [الطويل] ولا أدري ما تَعَجُّبُه؟ وكأنه أخذ قوله ما طاف حول الإنسان مقيَّدًا بالإنسان وهذا قد جعله طائفًا بالنَّاقة، وهي سَقْطة؛ لأنَّ الكسائيَّ إنَّما قاله اتفاقًا لا تقييدًا.وقال أبُو زيدٍ النصاريُّ: طَافَ: أقبل وأدبر، يَطُوف طَوْفًا، وطَوَافًا، وأطاف يُطِيفُ إطَافةً: استدار القومُ من نواحيهم، وطافَ الخيالُ: أمَّ يطيف طَيْفًا.فقد فرَّق بين ذي الواو، وذي الياء، فخصَّص كلَّ مادة بمعنى، وفرَّق أيضًا بين فَعَل وأفْعَل كما رأيت.وزعم السُّهَيْليُّ: أنه لا يُسْتَعمل من طاف الخيالُ اسم فاعل، قال: لأنَّهُ تَخَيُّلٌ لا حقيقة له قال: فأما قوله تعالى: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ} [القلم: 19] فلا يقالُ فيه طَيف؛ لأنه اسم فاعل حقيقة؛ وقال حسان: [السريع] وقال السدُّ: الطَّيْفُ الجنون، والطائِفُ: الغضب، وعن ابن عباس هو بمعنى واحد، وهو النَّزغُ.فصل:قال المفسرون: الطَّيفُ اللمة والوسوسة.وقيل: الطَّائِفُ ما طافَ به من سوسة الشيطان، والطيف اللم والمسُّ وقال سعيدُ بن جبير: هو الرَّجلُ يغضب الغضبة فيذكر الله تعالى، فيكظم الغيظ.وقال مجاهدٌ: هو الرَّجلُ يهم بالذنبِ، فيذكر اللَّهَ تعالى فيدعه.{فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} هذه {إذَا} الفُجائيَّة كقولك: خرجتُ فإذا زيد، والمعنى: يبصرون مواقع خطاياهم بالتذكر والتَّفكر، وقال السديُّ: إذا زلوا تابُوا وقال مقاتلٌ: إنَّ المتقي إذا مسه نزع من الشيطان تذكر وعرف أنه معصية فأبصر فنزع عن مخالفة الله. اهـ.
|